لعب البنك المركزي المصري دورا حاسما فى تطبيقة لسياسة استهداف التضخم منذ مارس 2024

محمد عبد العال يكتب .. قراءة حول سياسة استهداف التضخم!!

محمد عبد العال يكتب .. قراءة حول سياسة استهداف التضخم!!

لعب البنك المركزي المصري دورا حاسما فى تطبيقة لسياسة استهداف التضخم منذ مارس 2024

 

 

أعلن البنك المركزى المصرى فى السادس من مارس 2024 قراراته الإصلاحية التاريخية، والتي أفصحت دون أدنى شك عن أن الهدف المرحلي السامي هو استهداف التضخم ، فماذا تعني سياسة استهداف التضخم ؟ و لماذا انتهج البنك المركزي المصري تلك السياسة؟

 

تُعد مكافحة التضخم من أهم التحديات التي تواجه السياسات النقدية في العديد من الدول حول العالم، يستوي في ذلك الدول الدول المتقدمة أو النامية على حد سواء ،حيث يؤثر التضخم بشكل سلبي على الاقتصاد والمستهلكين والأسواق.

 

وتعد السياسات النقدية الفعالة مفتاح مكافحة التضخم والحفاظ على استقرار الأسعار ، لذلك دأبت السلطات النقدية والبنوك المركزية في كل أنحاء العالم ، منها البنك المركزي المصري ، إلى تفعيل واتخاذ آليات السياسة النقدية، ساعية إلى السيطرة على التضخم وكبح جماحه.

 

ويُعَرف التضخم بأنه زيادة كمية أو عرض النقود بمعدل أكبر من معدل زيادة المعروض من السلع والخدمات ، وهو ما يعني الإرتفاع في الأسعار وانخفاض قيمة النقود ، ويترتب على ذلك تلقائياً انخفاض الدخل الحقيقي للأفراد ، خاصة إذا كانت الزيادة في الأسعار تتم مع استمرار ثبات الدخول النقدية ، أو لا يقابلها ارتفاع متناسب في الدخل النقدي ، أو يكون الارتفاع في الدخل النقدي بمعدل أقل من ارتفاع الأسعار.

 

ويتفق معظم الاقتصاديين على أن التضخم يكون سبباً مباشرا في إبطاء معدلات النمو ، وانخفاض قيمة النقود ، وضعف الثقة في العملة الوطنية ، ويقلل من جاذبية الاستثمار الأجنبي المباشر وغير المباشر ، كما يؤدي ارتفاع مستويات التضخم إلى زيادة أسعار السلع المنتجة محلياً لأغراض التصدير ، فتقل درجة تنافسيتها السعرية مع مثيلتها فى الأسواق العالمية ، وبالتالي يتأثر سلبا كل من الميزان التجاري وميزان المدفوعات.

 

 

 

ولذلك تأتي سياسة استهداف التضخم كأحد أهم وأبرز السياسات التي تطبقها البنوك المركزية في سعيها الدؤوب لمواجهة التضخم والتحكم فيه ، وقياس وتتبع قراءاته ومقارنته بالرقم المستهدف.

 

ويقوم مفهوم سياسة استهداف التضخم على أساس قيام البنك المركزي بالإعلان والإفصاح عن هدف محدد رقمياً لمعدل التضخم المطلوب الاقتراب منه أو تحقيقه خلال فترة زمنية محددة مستقبلاً ، أو يمكن تحقيقه على فترتين إحداهما قصيرة والثانية متوسطة ، وتحقيق استدامة استقراره على المدى الطويل بعد ذلك.

 

ومن أهم متطلبات نجاح تلك السياسة هو الإلتزام التام من قبل البنك المركزي بالعمل والسعي لتحقيق رقم التضخم المستهدف خلال الفترة المحددة ، فيما عدا إذا ما طرأت ظروف أو أحداث أو صدمات خارجية كالحروب أو الجوائح ، الأمر الذي يمكن بمقتضاها تمديد الأفق الزمني اللازم لتحقيق المستهدفات.

 

ويلاحظ هنا أنه وفقا لهذا التعريف فإنه يتعين توفر عناصر 3 فى سياسة آلية استهداف التضخم ، أولها الاتفاق على هدف رقمي أساسي لمعدل التضخم ، وثانيها هو إلتزام البنك المركزي بالعمل على تحقيقة خلال مدى زمني محدد، وثالثها هو إعتماد إستراتيجية تحقيق الهدف ، خاصة فيما يتعلق بأدوات السياسة النقدية ، على سبيل المثال ، رفع الفائدة وتثبيتها على معدل مرتفع كإطار لاستراتيجية بالغة التقييد لمواجهة معدل مرتفع وعنيد للتضخم.

 

فالتغيرات في معدلات التضخم الفعلية عن المعدلات المستهدفة يتطلب ضرورة تدخل لجنة السياسة النقدية المنبثقة عن البنك المركزي بشكل دوري أو إستثنائي ، وتصعيد استخدام أدوات السياسة النقدية المناسبة وفقا للإستراتيجية المطبقة.

 

وتعد تلك العناصر الثلاث من أهم الشروط الأساسية التي يتعين أن تتوفر لضمان فاعلية سياسة استهداف التضخم.

 

لقد بدأت أول تجارب سياسة استهداف التضخم في نيوزلندا عام 1990 ، وتبعتها بعد ذلك معظم الدول الصناعية ، وقد أدى نجاح تطبيق هذه السياسة في هذه الدول إلى تشجيع الكثير من الدول النامية على اعتماد هذه السياسة من أجل تخفيض معدلات التضخم.

 

 

 

وتعتمد البنوك المركزية على مجموعة من المفاهيم والأدوات الأساسية ، وعن طريقها يمكن لها أن تتحكم بقدر كبير في المسارات المتوقعة لأرقام التضخم ، وصولا إلى الرقم المستهدف عبر المدى الزمنى المحدد ، ومن تلك الأدوات ، بل أشهرها وأكثرها استخداماً وانتشاراً ، هو العمل على تقليل العرض النقدي، وذلك من خلال زيادة الفائدة لتحفيز الادخار ، وتقليل حجم الائتمان ، وكذلك تقليل النقد المتداول ، من خلال سياسات السوق المفتوحة ، ورفع نسبة الاحتياطي الإلزامي ، وتقليل إنفاق الحكومة.

 

تبنت مصر سياسة استهداف التضخم تزامناً مع تنفيذ برنامج الإصلاح الاقتصادي “2016-2019” ، كما لعب البنك المركزي المصري دورا حاسما فى تطبيقة لسياسة استهداف التضخم منذ مارس 2024 ، حين تبنى سياسة نقدية شديدة التقييد فيما يتعلق بسعر الفائدة، فقام برفعها خلال الربع الأول من 2024 بمقدار 800 نقطة أساس من أجل مواجهة التضخم المرتفع والعمل على احتوائه ، وصولا إلى مستهدفاته المخططة تدريجياً ، واستمر محتفظا بمعدل الفائدة المرتفع حتى الآن (27.25% – 28.25% ) ، ولكنه قام بتمديد الأفق الزمني لتحقيق المستهدفات ليصل 7% زائد أو ناقص 2% فى المتوسط خلال الربع الرابع من عام 2026 و 5% زائد أو ناقص 2% في المتوسط خلال الربع الرابع من 2028 ، واستهداف بقائه عند مستويات منخفضة لا تزيد عن 5% بعد ذلك.

 

و يستمر تدخل البنك المركزي المصري بآليات السوق المفتوح لتنظيم العرض النقدي وسحب السيولة الفائضة لدى وحدات الجهاز المصرفي عبر العملية الرئيسية ، وعَدْلَ نظام قبول الودائع الأسبوعية من قبول الإيداع وفقا لنظام التخصيص ، إلى القبول وفقا للإيداع المطلق ، كل ذلك ليضمن استقرار الأسعار والتحكم الدقيق في معدل السيولة وكمية وسائل الدفع المتاحة في السوق ، وبالتالي تحقيق التحكم في عرض النقود ومعدل التضخم.

 

الآن آن لنا أن نتساءل ، هل التضخم سوف ينخفض في مصر خلال العام الحالى 2025؟ ، وهل نحن على عتبة التحول إلى سياسة تيسيرية تستهدف النمو والتشغيل؟

 

لا أحد ينكر أن معدل التضخم في حد ذاته يبدوا أنه في طريقة للإنحسار أكثر بفعل السياسات النقدية التي اتبعها البنك المركزي ، ولكن هناك مخاوف من تزايد الصراعات الإقليمية والعالمية، ولا سيما في الشرق الأوسط، وتولد مرحلة جديدة من حالة عدم اليقين ، كرد فعل لأفكار وإجراءات الرئيس الأمريكي دونالد ترامب ، والتي قد تفرض مخاطر كبيرة على أسواق السلع الأولية في العام الجديد ، مُولدة لضغوط تضخمية غير مؤكدة ، ولكنها محتملة.

 

ولكن النمو الاقتصادي لن ينتظر على المدى الطويل أن يكون ضحية لكل الصدمات الخارجية المتعاقبة والمحتملة.

 

ولهذا السبب نتوقع أن تظل السياسة النقدية للبنك المركزي المصري في حالة التشديد لفترة طويلة ، رغم أن هناك احتمالات قد تصل إلى حد اليقين لدى بعض المهتمين أن لجنة السياسة النقدية ربما ترى المبادرة بإجراء خفض في أسعار الفائدة الرسمية في اجتماعها المقبل يوم 20 فبراير الجاري.

 

وفى تقديري إن هذا ممكن ، بل هو مرحب به ، وهو لا يعنى أبدا أن البنك المركزي المصري سوف يتخلص من سياسته النقدية المتشددة ، ولكنه سيعمل على خفض متدرجً لا يؤثر على تفاقم التضخم ، ولكن على العكس سيدعم متطلبات النمو وتحفيز القطاع الخاص ، لزيادة الطلب الائتماني ، وخفض تكلفة السلع للمستهلك النهائي في مصر والخارج ، وهو ما يعنى زيادة عرض الإنتاج المحلي وانخفاض الأسعار أي تراجع التضخم.

 

وفي ذات الوقت يترقب البنك المركزي بحذر وحرص شديدين اتجاه منحنى التضخم تدريجيًا ، والتأكد من انحساره نحو مستهدفاته المحددة.

 

فعلا نحن بين شقي المطرقة والسندان ، أي قسوة مقاومة التضخم ، والتطلع إلى مكاسب النمو.

محمد عبد العال

خبير مصرفي

قم بمشاركة الموضوع مع اصدقائك علي

Facebook
Twitter
WhatsApp
Telegram
LinkedIn
Email

اترك رد

إبدأ بالتداول!

اذا اردت ان تبدا في التداول تواصل معنا علي الواتس اب الان

قد يعجبك أيضاً

قال البنك المركزي إن حجم المدفوعات المنفذة على هذا النظام خلال عام 2024بلغت نحو 286.160 تريليون جنيه
متوسطات أسعار العملات الرئيسية مقابل الجنيه المصري بختام تعاملات اليوم متوسطات أسعار العملات الرئيسية مقابل الجنيه لدى البنوك بنهاية تعاملات...


أشترك معنا ليصلك كل جديد 

يرجى تمكين JavaScript في متصفحك لإكمال هذا النموذج.